Thursday, July 5, 2007

المواردة ... الفصل الرابع

(4)
الأمل

في ظل هذه البيئة المليئة بمتناقضات الطبيعة من صحراء قاحلة إلي واحة خضراء يانعة، ومتناقضات بشرية من أناس بسطاء قمة في الطيبة، إلي لصوص كبار وشياطين غاية في الشراسة، في ظل كل تلك المتناقضات شب وكبر "منصور"، ومنصور هو الابن الذكر الوحيد علي سبعة بنات، أحس بالظلم والجوع والقهر،
والمواردة التي ظلت معظم عمرها متأثرة بالصحراء الساكنة المحيطة بها، قد تهب عليها أحيانا بعض العواصف، ولكنها كما تبدأ تنتهي، دون أن تترك لها أثرا اللهم الا نقل حفنة من الرمال من هنا الي هناك واستبدالها بحفنة اخري من الرمال ايضا. ومنصور الذي راقب بعض هذه العواصف كان يؤمن من داخله ان التغيير لكي يحدث لابد أن يتحرك الأعصار وليس مجرد عواصف تمر بسلام.
رفض منصور الاستسلام لإولئك الغرباء، مازال شابا صغيرا، ولكنه يعرف أنه يملك العزيمة والقدرة علي التأثير في المحيطين به، استطاع في زمن قياسي أن يجمع حوله مجموعة من خيرة شباب المواردة، بل أكثر من هذا أستطاع منصور تفجير التمرد والثورة داخلهم، جمعهم حوله بمكر ودهاء، أصبحوا عصبة واحدة، أقسموا بالله أنه لا مهانة لأي من أبناء المواردة بعد اليوم، لا أحد سيسرق قوتنا بعد اليوم. تجمعوا واتفقوا في الخفاء ثم انتفضوا وثاروا، هبوا وقاتلوا باسلحة بدائية واختاروا لهم الشيخ عبد المجيد قائدا لما يتمتع به من حب ومكانة في قلب الجميع وأيضا لحداثة سن كافة أفراد المجموعة ..
وكانت المفاجأة أن كان عدوهم من الوهن والضعف فلم يصمد ولم يقاتل ... قد يكون من هول المفاجأة والصدمة وقد يكون نتيجة عدم توقع هذا التمرد الذي لم يحدث منذ الاف السنين، ولكنه فر وهرب وترك المواردة علي أية حال... ونُصب الشيخ عبد المجيد فتوةً للمواردة وحاميا لهم، بمبايعة ومباركة منصور ورفاقه.
أهالي المواردة ظلوا فترة في حالة من الترقب والدهشة، لا تستطيع أن تميز هل هم فرحين بهذا الحدث، أم حزانى، وظلت وجوههم وبخاصة كبار السن منهم في حالة بلادة لا تعطي أي انطباع محدد. حتى الأحاديث في المقاهي والجلسات الخاصة كانت تدار بتحفظ وتكتم شديدين، لا يدري أحد هل هو خوف من تأييد الشيخ عبد المجيد الذي لا زال لم يثبت أقدامه بما فيه الكفاية وقد يطيح به اللصوص في أي وقت وعندها يثأرون من كل من أيده، أم هو عدم اكتراث بما يحدث.
الشيخ عبد المجيد من عائلة غنية من القلائل في القرية الذي يعلم القراءة والكتابة ومعروف برجاحة عقله واتزانه، فكثير ما كان يلجأ إليه الأهالي لفض نزاعاتهم ويرضون بحكمه دائما وأبدا. وبالرغم من رفضه للسلطة إلا أنه كان قد رأي أن من واجبه الوقوف بجانب منصور ورفاقه لعدالة القضية التي يحاربون من أجلها، وأستطاع في وقت قصير نظرا لما يملكه من علاقات متشعبة بكبار رجال المواردة والمؤثرين فيها وبخاصة رجال الدين منهم، استطاع ان يكسب حب المواردة ومباركتهم لهذا الانقلاب الذي استرد به المواردة كرامتهم مثلما صور هو لهم.
الشيخ عبد المجيد لم يكن يتمتع بقدر كبير من الدهاء مقارنة بمنصور، فلم يشكك أبدا فيمن حوله وكان يعتبرهم جميعا أخوة أصغر له وبخاصة منصور الذي كان يكن له بالذات معزة خاصة في قلبه، لما يراه منه من إخلاص ومثابرة وحرص شديد علي النجاح.ولأن منصور كان شخصية خارقة محب للسلطة ويريد أن يري نتائج أعماله مباشرة، ما لبث أن أنقلب علي الشيخ عبد المجيد وانتزع منه الفتونة. أهالي المواردة، كما هي عادتهم، سريعا ما رحبوا وبايعوا منصور الذي استطاع في فترة قصيرة لما يتمتع به من موهبة وقبول أن يأسر قلوب الجميع. ورغم طهارة يديه وحرصه الشديد علي مصالح المواردة إلا أنه لم يكن يتمتع بالحنكة الكافية لمواجهة الأعداء. وما أكثر الطامعين في أرض المواردة

المواردة ... الفصل الثالث

(3)
براءة

زينب التي لم تخرج من بيتها إلا إلي الحقل حاملة الغداء لأبيها عم عبد الودود الذي يعمل هناك بجد مع أول شعاع للشمس وحتى الغروب،حين يعود إلي المنزل منهكا حاملا في طيات ملابسه الرثة ما استطاع حمله من خيرات الأرض التي تذهب كلها إلي الغرباء. زينب التي تعشق والدها وترى فيه الحنان والاحترام، كانت لها أيضا أحلام أخرى، بدأت في بلورتها إلي دنيا الواقع حينما كان يعترض طريقها بنظراته التي تخترقها ذلك الشاب الأسمر الذي لا تعرف حتى أسمه. وبالرغم من صدها له إلا إنها كانت منجذبة إليه كليا. واستطاعت من خلال جلسات الحريم والنميمة أن تعرف أن هذا الشاب صديق لزوج أختها الكبرى إبراهيم.
عبد المعطي الذي قرأ في عينيها ما يخفي قلبها، لم يكن يعرف الاستسلام، واستطاع أن يعلم مواعيد ذهابها وعودتها من الحقل، فأخذ يراقبها كل يوم، حين كان يجلس تحت شجرة وارفة في طريقها إلي الحقل آخذا بالغناء علي نايه الحزين أغنيات العشق والغرام، وفي يوم لا ينساه كليهما حين كانت زينب عائدة من الحقل وتعثرت قدمها فكسرت ساقها، حينها أسرع عبد المعطي نحوها وحملها علي كتفه لمسافة طويلة حتى وصل بها إلي الوحدة الصحية، تذكر زينب أنها لم تكن تشعر بالألم في ساقها في ذلك الحين وأن كل ما كانت تخشاه أن يراها أحد فيظن بها الظنون. تذكر أيضا كيف رأت الدموع في عيني إبراهيم حين كان الطبيب يجبر لها ساقها. ومنذ ذلك اليوم تعلق قلبيهما وأصبح لا يطيق أحدهما مرور يوم دون رؤية الآخر والحديث معه.
الاهتمام بشؤون الآخرين الذي يصل إلي التطفل في معظم الاحيان، خصلة أصيلة في معظم أهالي المواردة، ويكون هذا التطفل مصحوبا بسرد الحكايات ونقل الأخبار للآخرين علي هيئة أسرار لا يعلمها أحد مصحوبة برجاء شديد بعدم ترديدها علي مسامع آخرين أيا كانوا. وفي معظم الأحوال تتحور هذه الحكايات حتى تجافي وتبتعد عن الواقع وأصل الحكاية.
وهكذا انتشرت الأساطير والروايات عن عشق زينب وعبد المعطي، حتى وصلت إلي مسامع أهل العزبة كلهم تقريبا باستثناء زينب وعبد المعطي والمقربين منهما، وأخذت تتردد الاشاعات علي كونها حقائق مؤكدة حتى طالب البعض بتوقيع حد الزنا بالرجم عليهما - رغم كونهما أعزبين - دون أن يري أي منهم شيئا غير طبيعيا باستثناء ما سمعوه من بعض الصبية عن لقاءتهم البريئة، ولكن مع تردد الاشعات والزيادة والمبالغة لجأ الجميع إلي تصديق الأكاذيب وأصبحت بالنسبة لهم جميعا قضية شرف وعرض وغيرة وحمية.

Wednesday, July 4, 2007

المواردة ... الفصل الثاني

(2)
ترقب

في أحد المقاهي الواقعة علي أطراف العزبة، كان ابراهيم يجلس هناك في أحد أركانه مع عبد المعطي.
أخذ ابراهيم نفسا عميقاً من الشيشة، ثم أطبق شفتاه لبرهة، رفع رأسه بعدها إلي أعلي نافثا دخانه في الهواء، التفت حوله يمنة ويسرة وعندما أطمئن نظر إلي عيني عبد المعطي وقال بهمس:
- العيال دول لو عملوا ربع اللي بيقولوا عليه حالنا هيبقي غير الحال
- انا مش حاسس ان فيه فايدة من أصله
هكذا رد عبد المعطي مومئا رأسه بأسى ثم تابع
- المشكلة اننا سمعنا كلام وكلام، ولا عمرنا شفنا حد عمل حاجه من اللي بيقولها
- وأيه الغريب؟ ما انت ياعبدالمعطي كده برضه، يجيلك الزبون من دول الورشة تقوله هاعملك اوضة نوم ما اتعملتش لماري انطوانيت، ولما يجي الزبون يستلم تسلمه حتة روبابيكيا
- لا ده بيزنس
- لا مش بيزنس دي سرقة
- وطي صوتك هتودينا في داهية، انا بادي للزبون علي أد فلوسه اللي نصها أصلا بادفعه اتاوات للبلطجية.
- خلاص يا عمنا الولاد اللي عملوا الهوجة دي طردولك البلطجية ومعدش عندك حجة ورينا الامانة والذمة بقي، وبعدين يا خي مش معنى ان حرامي سرقك انك تستحل تسرق الناس الغلابة اللي مسرقوكش
- والله كله بيسرق كله وبعدين وانا ايش ضمني ان الولاد الجداد دول ميبلطجوش علينا هما بدل التانيين؟
- بص يا عبد المعطي يا اخويا .. الولاد دول ولادنا احنا من لحمنا ودمنا مش أغراب عننا زي التانيين يعني داقوا طعم المرار والجوع وحاسين بينا، وأنا عموما متفائل.
- والله ياريت يا ابراهيم يا اخويا نفسي بقي اتجوز ويبقالي بيت وعيال، انا تعبت
- وايه اللي حايشك؟ أخلص بقي البت حلوة ومش هتستناك طول عمرها.
- اللي جاي علي أد اللي رايح وعلي يدك
من بعيد جاء صوت المعلم عبد الفتاح صاحب القهوة مجلجلا وقويا: الليلة دي المشاريب كلها مدفوعة يارجالة حلاوة فرحتنا بولادنا الابطال.
غرقت القهوة بعد ذلك في صخب ظاهر لم يمنعه الحوارات الجانبية الهامسة بين كل الحضور تقريبا مثنى مثنى لمناقشة ما وقع من أحداث دون أن يعلن أحدهم عن تأييده أو رفضه الصريح، وحقيقة الأمر أن لا أحد تحديدا يعلم علي وجه اليقين من راح؟ ومن هو آت؟ وبناء عليه لا يستطيع بلورة موقفه والقناعة به.
عندما عاد ابراهيم إلي منزله، كانت زوجته لا تزال في انتظاره بعد أن أعدت له طعام العشاء حيث جلست إلي جواره وهو يتناول طعامه، وما لبثت أن أنطلقت في حديث من طرف واحد كعادتها:
- تصدق يا أخويا البت فتحية مرات ابو محمود النهاردة بتقولي ايه؟ بتقول ان العيال اللي مشيوا بالطبل والزمر امبارح دول قال ايه طردوا البلطجية من البلد، لا ومش بس كده ..........
- فين الملح؟
- اهو يا خويا علي ايدك اليمين... فتحية بتقول ان أبو احمد صاحب الفرن البلدي بيوزع العيش النهاردة ببلاش، اول ما قالتلي كده يا خويا بعت المحروس ابنك عشان يجيبلنا رغيفين ولا حاجه، عقبال ما بسلامته قام واتمطع كان العيش خلص...
- العيال ناموا؟
- أيوة ياخويا من بدري .. واحنا قاعدين انا والبت فتحية لقينا الناس بتجري، بنسأل فيه أيه يا ولاد؟ قالوا لنا أبو ابراهيم دابح عجل وبيفرق لحمة، جرينا معاهم وملحقناش غير حتة متطلعش نص كيلو وكلها شغت، الا ياخويا متعرفش الناس ليه فرحانه أوي كده؟
- معرفش
- ياخويا... خليهم يفرحوا كمان وكمان والله حتة اللحمة دي جت في وقتها، البيت مكنش فيه حاجه تتاكل .. الا يا ابراهيم ياخويا هيزودلكو الاجرة بقي؟ انا عايزة اجيب الغسالة اللي بالكهربا زي البت فتحية .. اه انا مش أقل منها..... سي ابراهيم.. هو يا اخويا عبد المعطي صاحبك ده مش هيتقدم للبت زينب بقي؟ الموضوع طول يا اخويا وانا معدتش قادرة أعمل حاجه، وكلها يوم والتاني والبت تتخطب .. اه انا بقولك اهو عشان مترجعش تلوم عليا.
- الحمد لله ... تصبحي علي خير
- الله .. انت ياراجل انا مش باتكلم معاك؟
بالرغم من أن كل المواردة بلا استثناء شغلتهم الأحداث الأخيرة وتكلموا كثيرا عنها سواء علي المقاهي أو حتى في جلسات النساء، الا أن غالبيتهم لم يفهوا طبيعة هذه الأحداث أو نتائجها. كثير منهم تحمس وبالغ في رد فعله، فأقيمت الموائد ووزعت الذبائح. ومع ذلك ظلت الغالبية غارقة في الصمت الحذر.
لا أحد يستطيع أن يفهم بشكل دقيق موقف الأهالي من هذه الأحداث، فبالرغم من أن الغالبية العظمى لم تستوعب أصلا مجريات الأمور إلا أن التهليل واظهار التعاطف كانت السمة الغالبة، ولا تستطيع أن تحكم علي وجه الدقة هل هذا الموقف هو إيمانا بقضية هؤلاء الرجال الذين خلقوا هذه الأحداث أم هو مجرد رغبة في التغيير أم أنه لا يعدوا كونه مجرد تشفي في حقبة ولت.
وبالرغم من أن كل الشواهد تؤكد أن ما فات وأنقضى لن يعود مرة أخرى إلا أنه لازال هناك الكثيريون ممن يخافون اظهار تأيديهم للتغيير خوفا من عودة الحرس القديم.



Saturday, June 23, 2007

المواردة .... الفصل الأول

(1)
صوت الصمت

في وسط الصحراء القاحلة حيث الحياة شبه مستحيلة وحرارة الشمس لا تسمح لغير الرمال بالنمو والانتشار، حيث لا تسمع سوي صوت الصمت والسكون تبدده بين الحين والآخر أصوات حفيف الرمال التي تجرفها الرياح لتتموج في بحر من الكثبان. حياة لا تعرف سوي اللون الأصفر، بحر من الرمال الصفراء تسطع عليها شمس تزيدها اصفرارا حتى إذا دخل الليل تحول كل شىء إلي الموت وأكتسى باللون الأسود حدادا علي يوم راح وأنقضي.
في وسط هذا البحر الساكن وكما تنبت نبتة صغيرة قوية داخل شرخ صخري، نبتت عزبة المواردة منذ الآف السنين، وحول عين المياة الساحرة العذبة تجمع أهالي المواردة بملامح بشرتهم السمراء، تكسوها ابتسامة أقرب إلي الرضا منها إلي السعادة. يجمعهم حب فيما بينهم، لا يعرفون الهدوء، في حركة دائبة وسعي حثيث من أجل لقمة العيش، كثير منهم يعلمون ما من الله عليهم به في وسط هذه الصحراء فيحاولون بفطرتهم المحافظة علي ما منً الله به من نعمة عليهم.
المواردة مجتمع عجيب من البشر، تجمعهم صفات عديدة مشتركة فيما بينهم، يهيمون عشقا في أرضهم لدرجة الجنون، يتفاخرون بحضارتهم لدرجة الكبر والغرور مما يصور لهم أنفسهم في معظم الأحوال أنهم أرقى من كل من حولهم، هم في حالة رضا وقناعة مستمرة إلي درجة البلادة. أفواههم تنطق دائما بالرضا الكامل أو بالنقمة وقمة السخط، وفي الحالتين لا يفعلون شيئا سوى الصبر والسكون. يعشقون الكلمة الطيبة أكثر مما يحبون المال بل أنهم قد يستغنوا بها عن مطعمهم ومشربهم أحيانا. مجتمع تجمعه القرابة والأصل الواحد، وبالرغم من مرور العديد والعديد من الغرباء، إلا أن هؤلاء لم يستطيعوا تغيير تلك المواصفات العجيبة للمواردة، بل أنصهرهؤلاء الغرباء في تلك البوتقة وأصبحوا ينافسون المواردة الأصليون في تلك الصفات والخصائص الفريدة.
بطبعهم لا يسعون إلي الشهرة والسلطة،لا يحبون المال إلا من أجل لقمة العيش، يحبون العيش بسلاسة بعيدا عن أعباء إضافية تؤرقهم، قد يكون نوعا من رفض تحمل المسؤلية، وقد يكون درسا تعلموه من الماضي عن أجدادهم، فكثيرة هي الروايات التي تروى عن أهل النفوذ والسلطة، وكيف لا يهنأون براحة البال مثلهم، وكيف أن مأكلهم ومشربهم حرام، وكيف هو جبروتهم في سحق معارضيهم، وكيف هم عندهم فراسة لمعرفة المعارض حتى بقلبه دون أن ينطق بكلمة، وكيف كان مصير هذا المعارض من المهانة والتعذيب والقتل وتشريد أهله وسحلهم وجعله عبرة لمن يعتبر.
هذه الروايات التي تعددت وتنوعت بأمثلة لا حصر لها رويت علي لسان العديدين ممن يؤكدونها ويقسمون أنهم عاشوا ورأوا تفاصيلها الدقيقة، كل هذه الروايات ولدت قناعة لدي المواردة عموما بالبعد عن السلطة والزعامة، ووسط هذه الصحراء حيث هذه الجنة الموعودة المسماة بعزبة المواردة، وأهلها المسالمين أو الزاهدين في السلطة، مرت قوافل العصابات المختلفة التي رأت من المواردة صيدا سهلا، فأستقرت فيها وفرضت إتاواتها وحكمها الجائر عليهم، وما تكاد تلك العصابة أن تضعفف شوكتها أو تخمل حتى تأتي أخري فتأخذ مكانها وحينها يكتفي المواردة بالمشاهدة وإيثار عدم التدخل والترقب لما هو آت.
مضى علي تلك الحالة مئات أو الاف السنين، لا أحد يذكر ولا يريد حتى أن يذكر، كل ما يقال هنا أو هناك هو همهمات تعبيرا عن الرضا بالقضاء والقدر ونصائح بعدم التحدث في مثل هذه الأمور حتى لا يحدث لك مثل فلانا الذي قتلوه وشردوا أهله، ولم يمنع هذا ذلك الشعور الدفين بالمرارة والقهر الداخلي الذي يشعر به كل المواردة في ظل هذه البيئة البشرية الحزينة التي تسكن جنة لا تدرك من ثمارها شيئا يذكر، اللهم إلا قوت يومها، وحتى هذا ينازعهم فيه الغرباء والعصابات التي تحكمهم وتسلب خيراتهم.

*****