Wednesday, July 4, 2007

المواردة ... الفصل الثاني

(2)
ترقب

في أحد المقاهي الواقعة علي أطراف العزبة، كان ابراهيم يجلس هناك في أحد أركانه مع عبد المعطي.
أخذ ابراهيم نفسا عميقاً من الشيشة، ثم أطبق شفتاه لبرهة، رفع رأسه بعدها إلي أعلي نافثا دخانه في الهواء، التفت حوله يمنة ويسرة وعندما أطمئن نظر إلي عيني عبد المعطي وقال بهمس:
- العيال دول لو عملوا ربع اللي بيقولوا عليه حالنا هيبقي غير الحال
- انا مش حاسس ان فيه فايدة من أصله
هكذا رد عبد المعطي مومئا رأسه بأسى ثم تابع
- المشكلة اننا سمعنا كلام وكلام، ولا عمرنا شفنا حد عمل حاجه من اللي بيقولها
- وأيه الغريب؟ ما انت ياعبدالمعطي كده برضه، يجيلك الزبون من دول الورشة تقوله هاعملك اوضة نوم ما اتعملتش لماري انطوانيت، ولما يجي الزبون يستلم تسلمه حتة روبابيكيا
- لا ده بيزنس
- لا مش بيزنس دي سرقة
- وطي صوتك هتودينا في داهية، انا بادي للزبون علي أد فلوسه اللي نصها أصلا بادفعه اتاوات للبلطجية.
- خلاص يا عمنا الولاد اللي عملوا الهوجة دي طردولك البلطجية ومعدش عندك حجة ورينا الامانة والذمة بقي، وبعدين يا خي مش معنى ان حرامي سرقك انك تستحل تسرق الناس الغلابة اللي مسرقوكش
- والله كله بيسرق كله وبعدين وانا ايش ضمني ان الولاد الجداد دول ميبلطجوش علينا هما بدل التانيين؟
- بص يا عبد المعطي يا اخويا .. الولاد دول ولادنا احنا من لحمنا ودمنا مش أغراب عننا زي التانيين يعني داقوا طعم المرار والجوع وحاسين بينا، وأنا عموما متفائل.
- والله ياريت يا ابراهيم يا اخويا نفسي بقي اتجوز ويبقالي بيت وعيال، انا تعبت
- وايه اللي حايشك؟ أخلص بقي البت حلوة ومش هتستناك طول عمرها.
- اللي جاي علي أد اللي رايح وعلي يدك
من بعيد جاء صوت المعلم عبد الفتاح صاحب القهوة مجلجلا وقويا: الليلة دي المشاريب كلها مدفوعة يارجالة حلاوة فرحتنا بولادنا الابطال.
غرقت القهوة بعد ذلك في صخب ظاهر لم يمنعه الحوارات الجانبية الهامسة بين كل الحضور تقريبا مثنى مثنى لمناقشة ما وقع من أحداث دون أن يعلن أحدهم عن تأييده أو رفضه الصريح، وحقيقة الأمر أن لا أحد تحديدا يعلم علي وجه اليقين من راح؟ ومن هو آت؟ وبناء عليه لا يستطيع بلورة موقفه والقناعة به.
عندما عاد ابراهيم إلي منزله، كانت زوجته لا تزال في انتظاره بعد أن أعدت له طعام العشاء حيث جلست إلي جواره وهو يتناول طعامه، وما لبثت أن أنطلقت في حديث من طرف واحد كعادتها:
- تصدق يا أخويا البت فتحية مرات ابو محمود النهاردة بتقولي ايه؟ بتقول ان العيال اللي مشيوا بالطبل والزمر امبارح دول قال ايه طردوا البلطجية من البلد، لا ومش بس كده ..........
- فين الملح؟
- اهو يا خويا علي ايدك اليمين... فتحية بتقول ان أبو احمد صاحب الفرن البلدي بيوزع العيش النهاردة ببلاش، اول ما قالتلي كده يا خويا بعت المحروس ابنك عشان يجيبلنا رغيفين ولا حاجه، عقبال ما بسلامته قام واتمطع كان العيش خلص...
- العيال ناموا؟
- أيوة ياخويا من بدري .. واحنا قاعدين انا والبت فتحية لقينا الناس بتجري، بنسأل فيه أيه يا ولاد؟ قالوا لنا أبو ابراهيم دابح عجل وبيفرق لحمة، جرينا معاهم وملحقناش غير حتة متطلعش نص كيلو وكلها شغت، الا ياخويا متعرفش الناس ليه فرحانه أوي كده؟
- معرفش
- ياخويا... خليهم يفرحوا كمان وكمان والله حتة اللحمة دي جت في وقتها، البيت مكنش فيه حاجه تتاكل .. الا يا ابراهيم ياخويا هيزودلكو الاجرة بقي؟ انا عايزة اجيب الغسالة اللي بالكهربا زي البت فتحية .. اه انا مش أقل منها..... سي ابراهيم.. هو يا اخويا عبد المعطي صاحبك ده مش هيتقدم للبت زينب بقي؟ الموضوع طول يا اخويا وانا معدتش قادرة أعمل حاجه، وكلها يوم والتاني والبت تتخطب .. اه انا بقولك اهو عشان مترجعش تلوم عليا.
- الحمد لله ... تصبحي علي خير
- الله .. انت ياراجل انا مش باتكلم معاك؟
بالرغم من أن كل المواردة بلا استثناء شغلتهم الأحداث الأخيرة وتكلموا كثيرا عنها سواء علي المقاهي أو حتى في جلسات النساء، الا أن غالبيتهم لم يفهوا طبيعة هذه الأحداث أو نتائجها. كثير منهم تحمس وبالغ في رد فعله، فأقيمت الموائد ووزعت الذبائح. ومع ذلك ظلت الغالبية غارقة في الصمت الحذر.
لا أحد يستطيع أن يفهم بشكل دقيق موقف الأهالي من هذه الأحداث، فبالرغم من أن الغالبية العظمى لم تستوعب أصلا مجريات الأمور إلا أن التهليل واظهار التعاطف كانت السمة الغالبة، ولا تستطيع أن تحكم علي وجه الدقة هل هذا الموقف هو إيمانا بقضية هؤلاء الرجال الذين خلقوا هذه الأحداث أم هو مجرد رغبة في التغيير أم أنه لا يعدوا كونه مجرد تشفي في حقبة ولت.
وبالرغم من أن كل الشواهد تؤكد أن ما فات وأنقضى لن يعود مرة أخرى إلا أنه لازال هناك الكثيريون ممن يخافون اظهار تأيديهم للتغيير خوفا من عودة الحرس القديم.



1 comment:

احمد عزام said...

عمدتنا الكبير
انا انتهيت من قراءه الفصل الثاني
بصراحه عجبني جدا ....الحوار بين الشخصيات طبيعي وواقعي
بس ليا ملاحظتين
1-التقديم في الفصل الاول خلاني احس انه مجتمع مغلق اشبه بقبيله صغيره....الا انك في الفصل التاني حسستني انها قريه قريبه من المدنيه.....فخرجت من الحاله اللي كنت راسمها
2-الغموض حول الحادثه الرئيسيه (الثوره علي البلطجيه) مش مكتمل الحبكه.......يعني انت اتكلمت عن الحدث من بعيد بس مش شوقتنا نعرف ايه اللي حصل
علي العموم انا هكمل الفصل الثالث واقول لك