Thursday, July 5, 2007

المواردة ... الفصل الثالث

(3)
براءة

زينب التي لم تخرج من بيتها إلا إلي الحقل حاملة الغداء لأبيها عم عبد الودود الذي يعمل هناك بجد مع أول شعاع للشمس وحتى الغروب،حين يعود إلي المنزل منهكا حاملا في طيات ملابسه الرثة ما استطاع حمله من خيرات الأرض التي تذهب كلها إلي الغرباء. زينب التي تعشق والدها وترى فيه الحنان والاحترام، كانت لها أيضا أحلام أخرى، بدأت في بلورتها إلي دنيا الواقع حينما كان يعترض طريقها بنظراته التي تخترقها ذلك الشاب الأسمر الذي لا تعرف حتى أسمه. وبالرغم من صدها له إلا إنها كانت منجذبة إليه كليا. واستطاعت من خلال جلسات الحريم والنميمة أن تعرف أن هذا الشاب صديق لزوج أختها الكبرى إبراهيم.
عبد المعطي الذي قرأ في عينيها ما يخفي قلبها، لم يكن يعرف الاستسلام، واستطاع أن يعلم مواعيد ذهابها وعودتها من الحقل، فأخذ يراقبها كل يوم، حين كان يجلس تحت شجرة وارفة في طريقها إلي الحقل آخذا بالغناء علي نايه الحزين أغنيات العشق والغرام، وفي يوم لا ينساه كليهما حين كانت زينب عائدة من الحقل وتعثرت قدمها فكسرت ساقها، حينها أسرع عبد المعطي نحوها وحملها علي كتفه لمسافة طويلة حتى وصل بها إلي الوحدة الصحية، تذكر زينب أنها لم تكن تشعر بالألم في ساقها في ذلك الحين وأن كل ما كانت تخشاه أن يراها أحد فيظن بها الظنون. تذكر أيضا كيف رأت الدموع في عيني إبراهيم حين كان الطبيب يجبر لها ساقها. ومنذ ذلك اليوم تعلق قلبيهما وأصبح لا يطيق أحدهما مرور يوم دون رؤية الآخر والحديث معه.
الاهتمام بشؤون الآخرين الذي يصل إلي التطفل في معظم الاحيان، خصلة أصيلة في معظم أهالي المواردة، ويكون هذا التطفل مصحوبا بسرد الحكايات ونقل الأخبار للآخرين علي هيئة أسرار لا يعلمها أحد مصحوبة برجاء شديد بعدم ترديدها علي مسامع آخرين أيا كانوا. وفي معظم الأحوال تتحور هذه الحكايات حتى تجافي وتبتعد عن الواقع وأصل الحكاية.
وهكذا انتشرت الأساطير والروايات عن عشق زينب وعبد المعطي، حتى وصلت إلي مسامع أهل العزبة كلهم تقريبا باستثناء زينب وعبد المعطي والمقربين منهما، وأخذت تتردد الاشاعات علي كونها حقائق مؤكدة حتى طالب البعض بتوقيع حد الزنا بالرجم عليهما - رغم كونهما أعزبين - دون أن يري أي منهم شيئا غير طبيعيا باستثناء ما سمعوه من بعض الصبية عن لقاءتهم البريئة، ولكن مع تردد الاشعات والزيادة والمبالغة لجأ الجميع إلي تصديق الأكاذيب وأصبحت بالنسبة لهم جميعا قضية شرف وعرض وغيرة وحمية.

No comments: